الْقُرْآنُ يُؤَكِّدُ
أَنَّ الْمَسِيحِيِّينَ يَعْبُدُونَ
الإِلَهَ الْحَقَّ الْوَاحِدَ
الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ
كُتِبَتْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الْمُخْتَصَرَةُ لِلدِّفَاعِ عَنْ إِيمَانِنَا وَلِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَتَّهِمُونَنَا بِالشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، وَلِإِيضَاحِ اعْتِقَادِنَا بِوَحْدَانِيَّةِ الرَّبِّ الإِلَهِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا جَاءَ فِي القرآن.
سورة العنكبوت ٤٦:٢٩:
«وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ. وَإِلَاهُنَا وَإِلَاهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»
وَكَذَٰلِكَ فِي:
سورة يونس ٩٤:١٠:
«فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ، فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ. لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ»
تُؤَكِّدُ الآيَةُ السَّابِقَةُ أَنَّ مَا فِي الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَ تَعَالِيمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ وَاحِدٌ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ اخْتِلَافٌ جَوهَرِيٌّ.
آل عمران ٤٥:٣:
«إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا مَرْيَمُ، إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِـ كَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ»٤٦: «وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ»
النساء ١٧١:٤:
«يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ. إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ، انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ. إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ، سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ. لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا»
يُوضِّحُ الْقُرْآنُ فِي الآيَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَذُكِرَ بِصِيغَةِ الْمُذَكَّرِ (أَي إِنَّهُ شَخْصٌ)، وَإِذْ قَدْ أَلْقَاهُ اللَّهُ (فَهُوَ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ). وَفِي الآيَةِ الثَّانِيَةِ وُصِفَتِ الْكَلِمَةُ بِالْمُؤَنَّثِ (وَإِذِ الْكَلِمَةُ تُعَبِّرُ عَنِ الشَّخْصِ، فَهُوَ مُعَبِّرُ اللَّهِ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ). وَيُفْهَمُ هٰذَا فِي الْإِنْجِيلِ بِأَنَّ «الْمَسِيحَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَبَهَاءُ مَجْدِهِ وَصُورَةُ جَوْهَرِهِ». وَمَعْلُومٌ فِي الْكِتَابِ وَالتَّارِيخِ أَنَّ حَيَاةَ الْمَسِيحِ عَلَى الْأَرْضِ كَانَتْ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَنِصْفًا، وَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ شَيْخًا. فَمَا تَفْسِيرُ هٰذَا الِاخْتِلَافِ؟
عَرْشُ اللَّهِ وَخَلْقُهُ فِي الْقُرْآنِ
يُبَيِّنُ الْقُرْآنُ أَنَّ لِلَّهِ عَرْشًا تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَأَنَّهُ الْخَالِقُ الْوَحِيدُ:
الأعراف ٥٤:٧:
«إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ... تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»
الزمر ٧٥:٣٩:
«وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ...»
الفرقان ٥٩:٢٥:
«الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ، فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا»
الحاقة ١٧:٦٩:
«وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا، وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ»
التوبة ١٢٩:٩:
«فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ، لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»
القلم ٤٢:٦٨:
«يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ»
وَرُوِيَ فِي صحيح مسلم (٢٦١٢) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَتَجَنَّبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ عَلَىٰ صُورَتِهِ»
فَهَلْ يَجُوزُ لِلْإِلَهِ الْغَيْرِ الْمَحْدُودِ أَنْ يَظْهَرَ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ مَحْدُودٍ يَجْلِسُ عَلَى عَرْشٍ وَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ؟
سورة البقرة ٢٥٥:٢
«اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ... وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ»
نَفْهَمُ مِنْ هذِهِ الآيَةِ أَنَّ الرَّبَّ الإِلَهَ غَيْرُ مَحْدُودٍ.
كَيْفَ يَكُونُ غَيْرُ الْمَحْدُودِ مَحْدُودًا عَلَى عَرْشٍ تُحِيطُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ؟
رُوحُ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ
يُؤَكِّدُ الْقُرْآنُ أَنَّ لِلَّهِ رُوحًا:
يوسف ٨٧:١٢:
«يَا بَنِيَّ، اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ. إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»
تُرْجِمَتْ «رَوْحِي» فِي الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ إِلَى «اللَّهِ» فِي بَعْضِ التَّرَاجِمِ لِتَجَنُّبِ مَعْنًى مَا!
الحجر ٢٩:١٥:
«فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»
تَرْجَمَ بَعْضُهُمْ «رُوحِي» إِلَى «نَفْسِي»؛ وَهٰذَا تَحْرِيفٌ.
البقرة ٢٥٣:٢:
«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ... وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِـ رُوحِ الْقُدُسِ...»
تَرْجَمُوا «رُوحُ الْقُدُسِ» إِلَى «رُوحٍ طَاهِرٍ»؛ لِمَاذَا؟
الأنبياء ٩١:٢١:
«وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا، وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ»
نَفْهَمُ مِنْ هذِهِ الآيَةِ أَنَّ لِلَّهِ رُوحًا.
وَيَذْكُرُ الرَّبُّ كَيْفَ خَلَقَ آدَمَ فِي التَّوْرَاةِ، فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ:
تكوين ٧:٢:
«وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الْأَرْضِ، وَ نَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ؛ فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً»
تكوين ١٨:٢:
«وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعُ لَهُ مُعِينًا نَظِيرًا لَهُ»
تكوين ٢٢‑٢١:٢:
«فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ، فَنَامَ. فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلَاعِهِ وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْمًا، وَبَنَى الرَّبُّ الإِلَهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنَ الرَّجُلِ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى الرَّجُلِ»
مِنَ الآيَاتِ السَّابِقَةِ نَفْهَمُ أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي نَفَخَ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ رُوحًا. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ الْمَلَكُ هُوَ هٰذِهِ الرُّوحَ، وَإِلَّا لَكَانَ شَرِيكًا لِلَّهِ فِي عَمَلِ الْخَلْقِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ اللَّهُ وَحْدَهُ... حَاشَاهُ!
وَعَلَى ضَوْءِ مَا سَبَقَ، نُقِرُّ أَنَّ لِلَّهِ كَلِمَةً تُعَبِّرُ عَنْهُ، وَلَهُ رُوحٌ يَمْلَأُ الْكَوْنَ. وَإِذْ كَانَ اللَّهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ، وَالْإِنْسَانُ الْمَحْدُودُ لَا يَسْتَطِيعُ إِحَاطَةَ غَيْرِ الْمَحْدُودِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَقْبَلَ وَنُؤْمِنَ بِمَا أَعْلَنَهُ اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ.
مَنْ هُوَ الإِلَهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ الْمَسِيحِيُّونَ؟
يَعْبُدُ الْمَسِيحِيُّونَ الإِلَهَ الْأَزَلِيَّ الْأَبَدِيَّ، خَالِقَ الْكَوْنِ كُلِّهِ، الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، كَمَا جَاءَ فِي:
تيموثاوس الأولى ١٧:١:
«وَلِلْمَلِكِ الْأَزَلِيِّ، غَيْرِ الْفَانِي، غَيْرِ الْمَنْظُورِ، لِلَّهِ الْحَكِيمِ وَحْدَهُ، كَرَامَةٌ وَمَجْدٌ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِينَ»
وَكَذَٰلِكَ فِي:
تيموثاوس الأولى ١٦‑١٥:٦:
«الْوَقْتُ الَّذِي سَيُبْدِيهِ فِي أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ الْعَظِيمُ الْوَحِيدُ، مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الْأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنٌ فِي نُورٍ لَا يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالسُّلْطَانُ الْأَبَدِيُّ. آمِينَ»
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ، وَأَيْضًا فِي التَّورَاةِ. الإِنْسَانُ لَهُ جَسَدٌ وَرُوحٌ وَنَفْسٌ، كُلٌّ مِنْهَا لَهُ خَوَاصُّهُ. الْجَسَدُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَنْمُو، وَالرُّوحُ وَسِيلَةُ التَّوَاصُلِ مَعَ اللَّهِ، وَالنَّفْسُ تَحْمِلُ طَبِيعَةَ الْإِنْسَانِ. وَهٰذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي وَحْدَةٍ كَامِلَةٍ، وَهُوَ الإِنْسَانُ.
عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ: الْكَهْرَبَاءُ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّنَا لَا نَرَاهَا، وَلَكِنْ إِذَا سَرَتْ فِي سِلْكٍ خَاصٍّ أَضَاءَ السِّلْكُ وَانْبَعَثَ ضَوْءٌ وَحَرَارَةٌ. مَعَ ذَلِكَ فَكُلُّهَا فِي الْكَهْرَبَاءِ، لأَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ التَّيَّارُ انْقَطَعَ الضَّوْءُ وَالْحَرَارَةُ. لَكِنَّ الْكَهْرَبَاءَ تُصْدِرُ صَدْمَةً، بَيْنَمَا الضَّوْءُ يُضِيءُ وَالْحَرَارَةُ تُدْفِئُ... إِلَخ. لَا يَجُوزُ فَصْلُ هٰذِهِ الثَّلَاثَةِ عَنْ بَعْضِهَا؛ فَهِيَ وَحْدَةٌ مُتَّحِدَةٌ (وَهِيَ الْكَهْرَبَاءُ).
أَمَّا اللَّهُ فَلَيْسَ لَهُ مَثِيلٌ، فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ: لِلشَّخْصِ الإِلَهِيِّ غَيْرِ الْمَنْظُورِ (الْآبِ)، وَيَحْيَا بِرُوحِهِ (الرُّوحِ الْقُدُسِ)، وَالْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ جَسَدًا (الِابْنُ)؛ كُلٌّ مِنْهُمْ يَمْلِكُ جَمِيعَ خَوَاصِّ وَأَعْمَالِ اللَّهِ فِي مُسَاوَاةٍ تَامَّةٍ وَاتِّحَادٍ كَامِلٍ. وَإِنْ كَانَ اللَّهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ وَلَا تُدْرِكُهُ عُقُولُنَا الْمَحْدُودَةُ، فَإِنَّهُ يُنِيرُ عُقُولَنَا وَقُلُوبَنَا لِنَعْرِفَهُ وَنَقْبَلَهُ.
وَهُنَاكَ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي التَّوْرَاةِ تُثْبِتُ هٰذَا الْإِعْلَانَ الإِلَهِيَّ:
إشعياء ١٦:٤٨:
«اِقْتَرِبُوا إِلَيَّ وَاسْمَعُوا هٰذَا: مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ لَمْ أَتَكَلَّمْ فِي الْخَفَاءِ، مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ. وَالْآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ وَرُوحُهُ أَرْسَلَانِي»
إشعياء ٦:٩:
«لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ، وَيُعْطَى لَنَا ابْنٌ، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا،
إِلَهًا جَبَّارًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلَامِ»
فَكَيْفَ يَكُونُ طِفْلًا بِبَشَرِيَّتِهِ، وَابْنًا، وَهُوَ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ الإِلَهُ الْوَاحِدُ؟
إشعياء ١٤:٧:
«لِذٰلِكَ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ»
كَلِمَةُ «عِمَّانُوئِيلَ» تَعْنِي «اللَّهُ مَعَنَا».
ميخا ٢:٥:
«أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي مَنْ يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الْأَزَلِ»
مَنْ هُوَ الَّذِي مَخَارِجُهُ مُنْذُ الْأَزَلِ، وَكَيْفَ يُولَدُ فِي بَيْتِ لَحْمٍ صَغِيرَةٍ وَيَخْرُجُ مِنْهَا؟
أَرْجُوكَ لَا تُسَمِّنِي كَافِرًا
مريم ٧١‑٧٢:١٩:
«{٧١} وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا، كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا. {٧٢} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا»
وَرُوِيَ فِي صحيح مسلم (٢٨١٦/٧١) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ،
«سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْعَمَلَ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمُ الْجَنَّةَ»
فَسُئِلَ ﷺ: «وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟»
قَالَ: «وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ». «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ»
فَإِنْ كَانَتِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لَا تُدْخِلُ الْجَنَّةَ، فَمَا هُوَ الْحَلُّ؟
أُحَثُّ قَارِئَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى مُرَاجَعَةِ تَفْسِيرَاتِ الْعُلَمَاءِ حَوْلَ مَعْنَى «وَارِدُهَا» وَدَرَجَةِ التَّقْوَى الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَمُدَّةِ الْمُكْثِ فِيهَا حَتَّى الْخَلَاصِ. فَهٰذَا هُوَ الْأَمْرُ الْأَهَمُّ فِي هذِهِ الْحَيَاةِ: أَنْ يَعْرِفَ الْإِنْسَانُ مَصِيرَهُ الْأَبَدِيَّ وَيَسْتَعِدَّ لِمُقَابَلَةِ اللَّهِ.
وَمَعْلُومٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَنَّ نَوْعًا وَاحِدًا فَقَطْ مِنَ النَّاسِ يَدْخُلُونَ السَّمَاءَ (الْجَنَّةَ): الَّذِينَ غُفِرَتْ خَطَايَاهُمْ. فَكَيْفَ يَنَالُ الْإِنْسَانُ الْمَغْفِرَةَ؟ وَهَلِ الْفِدَاءُ مُجْدٍ؟ مَا قِيمَةُ الْفِدَاءِ، كَمَا فِي:
الصافات ١٠٧:٣٧:
«وَفَدَيْنَاهُ بِـ ذِبْحٍ عَظِيمٍ»
وَهٰذَا مَا تُثْبِتُهُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ أَيْضًا. فَمَا هُوَ الْفِدَاءُ فِي الإِسْلَامِ؟ وَهَلْ يَفْدِي خَرُوفٌ إِنْسَانًا؟ حَاشَا! فَالإِنْسَانُ عَزِيزٌ جِدًّا فِي عَيْنَيْ خَالِقِهِ. لِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَدْرُسَ بِإِخْلَاصٍ كَيْفَ يَنَالُ الْفِدَاءَ، فَهُوَ الْمَوضُوعُ الرَّئِيسِيُّ الَّذِي يَرْبِطُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ إِلَى سِفْرِ الرُّؤْيَا، لِيَتَأَكَّدَ مِنْ كَيْفِيَّةِ غُفْرَانِ خَطَايَاهُ. (مَعَ كُلِّ احْتِرَامِي وَتَقْدِيرِي لِنَفْسِكَ الْعَزِيزَةِ عَلَى قَلْبِ اللَّهِ).